وصل..
ـ بتاع العتب والا الموية والا النفايات والا الجبايات والا سيد البيت والا بتاع التلفون والا سيد الدكان.. منو فيهم الوصل؟!
وصل..
ـ آآآآخ يحلنا الحلَّ بلة.. منو الوصل جيمي كارتر والا مبعوث اوباما قرايشن؟!!
وصل..
ـ يا ااه اخيرا العريس وصل؟!!!
ما ان تخيلت انني حال اعلاني قائلة: «وصل» برد الفعل المتمثل في هذه الاسئلة « القلقة » المتكدرة البائسة القانطة، الا وجدتني اخرج من ـ يا يمه بسم الله ـ اقصد انهي قراءة مائة عام من العزلة حقت غارسيا ماركيز حتى اذا ما اتكاءت من ثم بترف على كوعي على سجادتي الفارسية الناعمة الموطأ والفارشاها فوق سحابة النوّار الذهبية المغطية «الارض» المسورة باشجار دقن الباشا والمحيطة ببيتنا، الا والتفت لـ «السودانيين» و«السودانيات» قائلة بشفقة واشفاق:
ـ يا ناس كدي انتو اكان ختيتوا الرحمن في قلوبكم وما خليتوا «هؤلاء» ينجحوا بوصولهم في انهم يحنضلوا عليكم حياتكم ويحبطوكم قدر دا، ولا جعلتم «هذان» بوصولهما او«ذا» يا بنات بتأخر او عدم وصوله يتسببوا في ادخالكم في زمرة بؤساء فيكتور هوغو، ومن ثم قلبتم ابصاركم بمهلة في الاشجار الجوه وحول بيوتكم والمكللة جبين «خرطومنااا الحبيبة الغالية» ح تعرفوا ان من «وصل» هو.. الربيع.
حيث يرجع فضل اعلامي بوصوله ـ أي الربيع ـ لـ «النوّار» المتساقط من أشجار الباشا المغروسة ببيتنا والذي حينما احسست بملمسه القطني الناعم على وجهي فجرا، بت اترقب تلهفا ان تفتح نجود اختي اخر العنقود من النوم عينيها واللتين ما ان شاهدتها تفتحهما وتغمضهما كما بت اللعبة، الا وجدتني بتشويق وصوت مهدهد أسألها قائلة:
ـ آنجي .. نجوان شايفة شنو في شجرة دقن الباشا الرامية فروعها فوق رأسنا دي؟!
والتي حينما اجابتني بنكد ونزق طفولي قائلة:
ـ صفق شجر!
وجدتني فيما أنا اقفز من سريري بحيوية متدفقة اعلنها بسعادة قائلة:
ـ النوار.. يا نجوان انتي ما شايفة النوّار الذهبي اللون المزين شجرة دقن الباشا! لذا ما أن وجدت سارة أختي تضرب لي في نفس اللحظة من مناوبتها بالمستشفى قائلة:
ـ انا مشتاقة للبيت؟ وبعدين انتي الصوت الجنبك ده صوت طيور والا صوت مقطوعة موسيقية لـ «ياني»؟
الا واجبتها قائلة:
ـ سارة يا حليلك ده صوت الطيور الراكات فوق اسلاك الكهرباء الـ «4» المترادفات فوق بعض متل سطور كراس العربي، والمارات فوق رأس اشجار دقن الباشا الضاربة استارها على بيتنا.. ويا اختي انا وكتين انتبهت لانو الطيور ديل موزعات روحن على سطور كراس العربي.. هي يا يمه بسم الله اقصد موزعات روحن على سلوك الكهربا بحيث ركت «5» منهن في السلك الاول و«3» في السلك التاني، واللي يليه راكات فيه «4 » فيما احتلت السلك الاخير «2» منهن، الا و لقيتني يا بت امي بقشعريرة اتمتم قائلة:
ـ يا ربي الطيور ديل قاعدات يألفن في مقطوعة موسيقية..؟!
حتى اذا ما توجهت لباب الشارع ذاهبة لمكتبي واحسست بقدماي تغوصان بنعومة في النوّار المنثور في حيشان بيتنا والارض المسورة بالاشجار المحيطة ببيتنا لكانني امشي فوق السحاب، إلا وارتددت على عقبي لأصحي نورا بت خالتي من نومها بشويش ولادندن باذنها قائلة:
ـ يا نور النوّار يا نورا.. عليك الله اليوم ده والايام التالية ما تخليهم يكنسو الحيشان ولا يقشو قدام بيتنا، لاجدني أثر ذلك اجول هائمة وسط تلك الاشجار التي نبت بيتنا وسطها والتي تتوسطها اشجار دقن الباشا ذو النوّار الاصفر والذي حينما قمت بتمرير شعيراته القطنية الصفراء غير الفاقع لونها بخدي والذي حينما وجدته يكسو بلوزتي، الا وعصرت عقلي جاهدة ومتسائلة:
ـ ترى هل ارتديت انا ابتداءً بلوزة صفراء اللون، ام ان النوّار قد هد فيها؟! ، لذا ما ان دلفت شاردة الذهن للشارع ومن ثم شاهدت اولئك «الاطفال» فيه يسبحون والذين حينما فوجئت باحدهم بضحكة خجلى لي قائلاً:
ـ ازيييك!
الا وجدت قلبي ينحني عليه هامسا:
ـ نوّار حياتنا إت حبابك.. يابا!
ذا الربيع .. اللي لما وجدتني في عصرية احد ايامه اقوم بتخصيم واستحلاف شرطي الحركة ذاك وانا جارية قاطعة الشارع ألا يقوم بتحرير مخالفة لسائق الهايس ذاك الذي قام بتوصيلي شهامة منه، ومن ثم شاهدته يصرفه فيما هو يضحك، الا وتأكدت بانه وصل حقيقي.. الربيع وصل.
وقبيل قولكم بانو يا اخ رندا عطية دي زولة مترفة ومرتاااااحة.. دعوني اخبركم ان الحكاية وما فيها عبارة عن سور من شجيرات الحناء متخللاها داخل وخارج بيتنا اشجار دقن الباشا، الجوافة، التمر هندي، المنقة، جهنمية، قريب فروت، لارنجا، صبار، برازيليا، فل وعنبة رامية ـ طبعاً ـ جوه بيتنا + شوية لداحة على رجال بيتنا + استحمال وتذوق مساخة اخوي الكبير «أحمد عطية» اللي اتلادحنا عليهو لحدي ما قاس ومتر وخطط وحفر الارض وجاب طين البحر والشتول وشتل وزرع و سقى ورعى و سور لينا بيتنا بكل الاشجار والورود الوارد ذكرها آهه بعد داك انا بنفس مفتوحة قمت كدي قلت ليهو:
ـ احمد حمادة.. شفت الشجر اللونو اخضر خفيف ولذيذ وصفقو عراض البيمشي في الواطة داك الفي شارع النيل كمان ما تجيبو وتزرعو لينا.
الا ورد علي احمد بمساخة تقول لمساخة برنارد شو الايرلندي شنو! قائلا:
ـ بالله هو الشجر بقى يمشي! وهو ماشي وين!!
و .. وقبيل اكمالي لكلامي وان بوغت باحدهم باستهجان لي قائلا:
ـ ربيع شنو البتكلمينا عنو؟!! انتي ماك حاسة بالوضع المتوتر البتعيش فيهو «الخرطوم» نتيجة عدم نزاهة الانتخابات الاحبطتنا لمن.. قرفنا!
الا بنفس متذوقة للحياة افحمته سائلة:
ـ يا زول هوووي عليك امان الله حسع «خرطومنا الحبيبة الغالية» والا «بيروت» المن شدة ما كانت تحت الردم مش الرماد لمن استنهضتها المغنية ماجدة الرومي مترجية:
قومي يا بيروت قومي
قومي من تحت الردم
كزهرة لوز في نيسان
علما بأنها حينما رددت بصوتها الاوبرالي من خلال مسجلنا ذا السماعات الضخمة داك صادحة:
يا بيروت قومي يا بيرووووت
قومي يا بيروت قومي قومي .. يا بيرووووووووت.
الا وبوغتنا ليكم انا واخواتي بـ«يُمه» جدتي لأمي فوق رأسنا تكورك بحراق روح قائلة:
ـ وووب علينا بيروت دي ما تقوم وتريحنا!
لذا يا «يُمه» ما ان تذكرت انتباهة انو بيروت شدة ما قامت منتفضة من تحت الردم ورماد حربها الاهلية والاحتلال الاسرائيلي واقبلت على الحياة واتفتحت كزهرة لوز في نيسان لدرجة انها والعهدة على الراوية انو البنوك بها قد خصصت قرضا لبناتها اللبنانيات لعمليات التجميل! الا وجدتني ومنذ بدء وصول الربيع بداية شهر مارس اندفع بدوري مقبلة على الحياة لاركض بحيوية متدفقة رياضة فوق النوّار الذهبي ذا الملمس القطني المغطي الحيشان وقدام بيتنا، لكأنني اركض فوق سحابة ذهبية والذي حينما شاهدته يتحول تحت قدماي لبودرة من الذهب، الا وجدتني أفرمل بغتة بوجه اخوي احمد لاطبع على حين غرة منه قبلة على جبينه فيما انا بمرح وشقاوة به هاتفة:
ـ حمادة كل سنة وأنت طيب.. وصل الربيع وصل.
حتى اذا ما احسست في الايام التي تلت ذلك بسنوني قربن يسوسن من الحلاوة والفواكه اللي غمرني ولا زال يغمرني بها «خال وليداتي.. الشاحداهم من الله» اخوي الكبير «احمد عطية» اثر قولي له بمرح وشقاوة:« حمادة كل سنة وانت طيب.. وصل الربيع وصل» ومن ثم انبثقت امام عقلي حقيقة ان الفضل لما انا فيه يرجع من بعد الله لـ «اخوالي» الا وسألني قلبي بملامة وحنية قائلا:
ـ انتي ما دام في عيد لـ«الأم» وعيد لـ«الأب» لم لا يوجد عيد لـ.. خال فاطنة!!
٭ و«كاتب عمود خيارات».. على ذلك لشاهد:
يوم الثلاثاء 8 جمادي الاول 1432هـ الموافق 12 ابريل 2011م
وما أن انتهيت من قراءة هذه الكلمات الآتية التي كانت في مقدمة مقال خيارات: «ربما كانت أزهار شجرة النيم جميلة وفواحة، داهمتني رائحتها على نحو مفاجئ في شوارع الخرطوم المتربة. طوال الأسابيع الماضية وأنا في طريقي من وإلى المنزل، كان عطرها يلطف من المحكات الحاسمة التي تنتظر الخرطوم. ظلت المدينة ولمدة أسابيع تغط في نوبة من النوم. إنه أول ربيع أشهده هنا. لطيف ولكن قصير».
الا وجدتني ايها السودانيون والسودانيات من بعد التفاتتي نحوكم للمرة الثانية، منبهة ومذكرة وقائلة:
وصل.. ألم اقل لكم؟ و«كاتب مقال خيارات» سعادة / السفير البريطاني في الخرطوم نيكولاس كاي.. على ذلك لشاهد.
إلا وجدتني نحو السيد/ نيكولاس كاي متوجهة وقائلة:
ـ بالمناسبة يا سعادة السفير أنت إن تابعت وقرأت إن شاء الله «انتباهة قلم» التي ستكون بعنوان:«الشارع الطويل.. والـ » لانتبهت متذكرا لأن أزهار شجرة النيم الجميلة والفواحة التي داهمتك رائحتها على نحو مفاجئ في شوارع الخرطوم المتربة، ما هي إلا مجرد شاهد من جملة شواهد ومشاهد لطيفة وجميلة تقف دليلاً على انه الربيع.. وصل.